في رحلة سريعة نتعرف على الملك وعلى أسمائه كما وصف نفسه في كتابه.
سأختار موطنًا مشهورًا، دائما يُردّد على الناس وهو موطن سورة الحشر، ماذا يقول الله -عز وجل- في وصف نفسه الملك؟ {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ} لابد أن تعرف أولا أنه سبحانه وتعالى وصف نفسه بأنه الله الملك، لأن في الإعراب الملك بدل من الله، أي أن الله هو الملك والملك هو الله، ويأتي بعد الملك {الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ}[1] سبع صفات للملك، من أجل ذلك كان الإعراب مفيدًا في الفهم، فنحن نقول: الملك بدل من الله، يعني الله هو الملك والملك هو الله، وما بعدها من أسماء هي صفات للملك، وبهذا الإعراب نفهم المسألة.
à فما وصْف الملك الذي أنت عبد له؟ كل اسم من هذه الأسماء له أثر في فهمك لعبوديتك لله -عز وجل-.
1. قدوس: أي منزه عن كل صفات النقص. إذا كان كل صفات النقص هو منزه عنها أي منفية عنه فإذن ليس له إلا صفات الكمال، فأنا عبد لملك موصوف بصفات الكمال، منزه عن صفات النقص. وأنتم تعلمون أن الأفعال تأتي من الصفات، وأنك من الأفعال تعرف الصفات، بمعنى: كيف عرفت أن جارك كريم؟ خَرَجَت له أفعال كرم فعرفت أنه كريم.
إذن لما يكون الموصوف الذي تصفه موصوفا بصفات الكمال فماذا تنتظر من أحد موصوف بالكمال فقط؟ تنتظر منه أفعال الكمال. فأنت عبد لملك ليس له إلا صفات كمال، كل صفات النقص منزه عنها. فإذا كنت عبدا لملك كل صفات النقص منزه عنها إذن سيعاملك بصفاته، وصفاته كلها صفات كمال، إذن هل تنتظر من ملك منزه عن النقص ليس له إلا صفات كمال، هل تنتظر منه شرا؟! كيف؟! ليس له إلا صفات الكمال.
2. ثم أن هذا الملك العظيم الرب الكريم موصوف بأنه سلام، وهذا الاسم بالذات لا تكتفي بأن يشير عقلك إليه ضمن اسم الملك، لأني المفروض لما أقول: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) مَلِكِ النَّاسِ} كلما قلت ملك الناس أتذكر صفات الملك، لكن لا تكتفي حتى في اسم السلام أن تتذكره ضمن اسم الملك، فهو لوحده أُفرد، فأنت بعد الصلاة تقول: (اللهم! أنت السلام ومنك السلام)[2] لتذكّر نفسك بهذا الأمر العظيم.
· فما معنى السلام؟
أما معنى السلام فيطول شرحه وهو كما يقول أهل العلم من الأسماء الجامعة، يدخل تحت اسم السلام الحياة كلها، لكن بكلام مختصر سأقولها في كلمتين: السلام يعني أن الله -عز وجل- صفات كماله سالمة من النقص، وهو سبحانه وتعالى مسلّم لعباده من الشرور والظلم.
أما المعنى الأول وهو أنه سبحانه وتعالى صفات كماله سالمة من النقص فسنضرب مثلا على الخلق، القاضي وُصِف بالعدل، ماذا تنتظر منه؟ العدل، لكنه بشر، ففي 100 قضية يصيب في 95 أو 96 و 5 قضايا لا يُوفّق أو يُسدد فيها، وهذا على بشريته، فصفة الكمال التي عنده وهي العدل ليست سالمة من النقص، لكن لما تأتي لصفات الرب الملك سبحانه وتعالى،كل صفاته سالمة من النقص، فأنت عبد لملك اجتمعت له صفات الكمال وسَلِمَت صفات كماله من النقص.
فيجمع الإنسان الذي أعظّمه ولو في التاريخ بين أمرين: صفات نقص وصفات كمال، ثم أن صفات كماله ليست سالمة من النقص، وإنما جُمع للخلق في كل صفاتهم بين الصفة وضدها، فإذا كان هذا مثلا عبد حي وله قوة وقدرة، يأتي النوم فيفقده قدرته، فبرغم أنه قوي وشجاع لكن يأتي النوم فيقطع عليه هذه القدرة. شاب في مقتبل العمر يأتي الموت يقطع عليه شبابه، وهذا من أحسن ما قيل في شرح قوله تعالى في سورة الفجر: {وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ }[3]، يقول أهل العلم أن الله -عز وجل- جمع في الخلق كلهم الصفات المتناقضة، أي أن فيهم قوة وضعف، فيهم حياة وموت، فيهم يقظة ونوم، صفاتك كلها شفع، أي: صفة كمال وضدها، في مقابل أن الله -عز وجل- وتر ليس له إلا صفات الكمال، كل صفات الله -عز وجل- صفات كمال، وابتلى الخلق بصفات الكمال والنقص ليعرفوا حجمهم، فأنت عبد لملك قدوس وسلام. قدوس أي كل صفات النقص منزه عنها سبحانه وتعالى، ليس له إلا صفات الكمال، ثم أن كماله هذا سبحانه وتعالى سالم من كل النقص فهو مسلّم لعباده، لكن العباد لا يدركون تسليمه سبحانه وتعالى لهم.
3. ثم هذا الملك العظيم الرب الكريم الموصوف بكمال الصفات مؤمن، فهو مؤمّن للخلق ما يخافون، مؤمنٌ مصدق لهم ما وعدهم، فلك أن تتصور كيف لما يكون لك ملك كل وعد وعدك إياه خاصة لك لابد أن يَنْفَذ، يقول لكم: {لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ}، وأنت تعرف أنه ملك ومؤمن مصدّق لخلقه ما وعدهم، مادام وعدك أنك لو شكرت سيزيدك، اشكر فقط وسترى وعود الملك!
ومَرّ معنا سابقا كلام ابن عباس –رضي الله عنه-، يقول: لو انطبقت السماء على الأرض لوجد المتقي له أبوابا لأن الله -عز وجل- يقول {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا}[4]. هذا وعد الله! ولو انطبقت السماء على الأرض ستخرج ستخرج لأن المؤمن إذا وعدك لا يخلف وعده. فالمعنى أنك تحتاج أن تعرف مَن هو الملك الذي أنت عبد له ليبقى في قلبك حسن ظن به.
4. المهيمن: الملك العظيم الرب الكريم كل شيء بيده، على كل شيء مهيمن، بل إن السماوات والأرض وهذا الفلك العظيم الذي يقولون لك عنه كل يوم أن درب التبانة جزء من دروب عظيمة، كله في يده كخردلة في يمين أحدكم! تام القدرة عليه سبحانه وتعالى، مهيمن يمسك السماء أن تقع على الأرض، يجري الفلك في البحر، يحفظ الأرض من أن تتزلزل وإذا شاء فتزلزت في دقيقتين تختفي دولة!
وقد رأينا وسمعنا وهذه لم تكن أول حادثة، لما حدث إعصار هاييتي وكان في 30 ثانية تساوي طرفة عين فتسقط دولة! لماذا؟ لأن المُلْك ملكه والأمر أمره وكل شيء بيده. فتصور أنك عبد لملك يمسك السماء أن تقع على الأرض، يجري الفلك في البحر، وإن شاء أوقفهم جميعا!
المهيمن سبحانه وتعالى على كل شيء قائم، وهذا اسم القيوم، فتصور هذه الشمس العظيمة لا تشرق في أرض أحد إلا لما تذهب للعرش فتسجد فيأذن الله لها. كل نبضة في قلبك لا تنبض إلا بأمره، مهيمن على الكون كله، وأنت يا عبد من هذا الكون بل أضعف ما في الكون! لا نبضة تنبض إلا بإذنه ولا نفس تأخذه إلا بإذنه. والجلطة القلبية التي بمقدار 2 ملم مثل رأس الدبوس، مَن يأمر الدم فيتجلط؟ القائم على سيلانه، وهذا الذي عنده كذا في قلبه وكذا في كبده وكذا في كليته، مَن الذي أحدث هذا ومنع هذا وأعطى هذا؟! المهيمن المسيطر على كل شيء.
فمن الفخر أن تكون عبدا لملك هذه صفاته، لكن المهيمن كيف يفعل في خَلْقِه؟ على كمال صفاته، يعني قيل لك: مع أن كل شيء بيده ومع أن الأمر أمره وأمره نافذ لأنه عزيز سبحانه وتعالى لكن مع ذلك لا يأمر إلا بما فيه منفعة للخلق لأنه كامل الصفات.
5. عزيز أمره نافذ، تخيل سهام الليل، تقف بين يدي الرب وتسأله إصلاحا للقلب أو الأبناء أو الحال أو للبلاد والعباد وهو العزيز، لم تقف عند باب أي أحد يحتاج كذا وكذا ليفعل! بل ذهبت مباشرة للملك الذي يملك كل شيء وهو مهيمن على كل شيء وهو عزيز أمره نافذ، فتصور لما تطلب العزيز الذي أمره نافذ ولا راد لقضائه، سينفذ قضاؤه ولابد! لكن لما تفهم نفاذ قضائه ضع بين عينيك سورة يوسف وكيف قال أهل العلم أن بين رؤية يوسف وتحققها أقل شيء 35 عاما، والله -عز وجل- يقول في سورة يوسف: {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}[5] هنا علة العلل، هنا سوء الظن يأتي، يقول: دعوت ولم يستجب لي. نقول:(وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ)، ألم تسمع النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: (حسبي الله وكفى، سمع الله لمن دعا، ليس وراء الله مرمى)[6]. لا تظن أنك ستقف عند باب أحد غير الله وينفعك، حسبي الله وكفى، ثم لما يدعو: سمع الله لمن دعا، وإذا دعيت: فليس وراء الله مرمى، لأنه الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز، أمره نافذ ولابد، لاراد لقضائه، لكن علة العلل (وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ).
6. ثم أن هذا الملك العظيم الرب الكريم جبار يجبر قلوب المنكسرين، وكم من قلوب منكسرة لا يجبرها إلا الله -عز وجل-، ونحن تاركون لهذه العبادة: عبادة توحيد الله بطلب الجبر، لا تطلب جابرا لقلبك إلا إياه، أليس الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير ممن لا يخالط ولا يصبر على أذاهم؟ لكن أذاهم يكسر قلبي؟! عندك ربّ جبار، اطلبه يجبر قلبك، ولا تطلب الجبر من غيره لأن كل جابر غيره على الحقيقة كاسر أكثر! لأنه اليوم يجاملك ويطبطب عليك وغدا يجاملك ويطبطب عليك وبعده يجاملك ويطبطب عليك ثم إذا اتصلت عليه لا يرد عليك! مَلّ! يقول: إلى متى تعيدون نفس القصة؟! لكن لما تسجد بين يدي الملك وتعيد نفس الكلام والطلب وهو يرفعك درجات ويسمع صوتك وتعرفك الملائكة وتُذكر فيمن عنده، ثم يقضي أمره في غاية من اللطف في الوقت المناسب الذي ينفع كل الناس في هذه المسألة وأنت غافل عن حكمته.
ثم أن هذا الجبار كما يجبر القلوب المنكسرة فهو يقصم الجبارين، كأنه يقال لك: لا تحمل هَمًا، كل الذين تراهم جبارين سيقصمهم الملك العظيم
7. ثم أن هذا الملك العظيم متكبر عن كل أحد، متعال متعاظم لا حاجة له عند هؤلاء الخلق برغم عطائه، وبرغم أنه يسمع دعاءهم ويلبي نداءهم ويستجيب لهم، ومع ذلك فهو متكبر متعال غني عن الخلق كلهم. ولا تظن أنك تنفع ربك بأي شيء من الطاعات والعبادات، بل هو عنك غني وأنت إليه فقير.
ومن تمام تكبره وتعاظمه: أن لو أهل الأرض كلهم عصوه لا ينقص هذا في ملكه أبدا، لا يضره أبدا، مَن هذا العبد الذي نفع ربه وأعطى ربه شيئا؟! بل كلنا إليه فقراء سبحانه وتعالى. فانظر لملكٍ عبوديته تزيدك شرفا، وتفهم من هذا أن المعتز بعبودية هذا الملك لابد أن تنفعه عزته، وفي ذلك يقول الشاعر:
ومما زادني شرفاً وتيهاً *** وكدت بأخمصي أطأ الثريا
دخولي تحت قولك يا عبادي *** وأن صيّرت أحمد لي نبياً
هذا يسبب العزة، أن لا أحد يقربني، أنا عبد لملك أسجد بين يديه، أدعوه وأسأله فيحفظني ويرد عني كل ما يمكن من شرور. منكم لا أخاف، ليس عندي قلق، مثلما خاطب النبي -صلى الله عليه وسلم- ابن عباس:(وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ)[7] وإذا ضررت بشيء قد كتبه الله فأنا أعلم أن الرحمة في داخله. فانظر إلى عزة عبد كان حقا عبدا لملك عظيم، هذا الذي ينقصنا.
وبعد هذا الكلام كله كيف يمكن أن يمر على خاطرك أن الملك العظيم يمكن أن يأتي منه شر؟! لا يأتي من ملك هذا وصفه إلا كل خير، لكن انظر لأي درجة ضعف معرفتنا به سبّب لنا أن نرى الخير العظيم شرا، ثم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول في الحديث القدسي: (أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِى بِى فَلْيَظُنَّ بِى مَا شَاءَ)[8]ظُنّ فيه خيرا سيأتيك خيرا، لما تظن به شرًا سيأتيك نفس الأحداث لكن لن تحصل من وراء نفس الأحداث إلا شرا لأن الذي في قلبنا يصبغ الأحداث حولنا!.
لازلنا نتكلم عن حسن الظن بالله هذه العبادة التي لا تنفك عن العبد أبدا، وهي قاعدة الشكر، فالشاكر الذي ليس بكافر لابد أن يحمل في قلبه لربه حسن الظن به، واتفقنا ماذا يجب أن أتعلم عن الله ويكون هذا العلم في قلبي من أجل أن أستطيع أن أحقق حسن الظن.
أرأيت الأسماء التي تكررها هذه الأسماء تحتاج لفهمها بعمق لتأتي عبادة حسن الظن، واخترنا من بين هذه الأسماء اسم الملك الذي بيده كل شيء سبحانه وتعالى، واتفقنا أننا نتعرف على هذا الملك العظيم من خلال كلامه، واخترنا آية الحشر، وعرفنا أن الملك الذي نحن عبيد له ويقدر لنا الأقدار ويربينا وصْفُهُ أنه قدوس سلام مؤمن مهيمن عزيز جبار متكبر. وفي موطن آخر الملك سبحانه وتعالى في سورة الجمعة وصف نفسه بأنه الملك القدوس العزيز الحكيم، فأضيف لصفات الملك السبعة أنه حكيم، وهذا الوصف للملك مناسب جدا لمسألة حسن الظن لأن الذي يسبب سوء الظن أنك تنظر إلى ظواهر المسائل.
النظر لظواهر المسائل قد تجعل العبد يرى الخير شرا والرحمة نقمة! لكن لما تعرف أن لك رب وهو الملك الذي عرفت وصوفاته، وأن هذا الملك حكيم أي يجري عليك من الأقدار التي لابد في نهايتها أن تكون خيرا، وحكمته سبحانه وتعالى البالغة لا يمكن أن يبلغها عقل لكن معرفتك به هي التي تسبب لك أن تعتقد أن وراء هذه الصورة خير.
ولو نظرنا لكثير من الأقدار التي تجري علينا بعقلنا البشري نراها في أولها شرا، ثم تجري الأقدار وترى وراءها الخير! الرب سبحانه وتعالى له سنن في معاملة خلقه. كم عمرك؟ 30؟ 40؟ 50؟ في هذا العمر من المؤكد مرت عليك أحداث رأيت في أولها شر، ثم رأيت الخير فيها، فذاكرتك مليئة بالأحداث لو حاولت تتذكر، وأكيد أنك عرفت ربك لكن بعد هذه المعرفة الطويلة من التجارب ما الذي يجعلنا كأننا لازلنا أطفالًا في المهد لا خبرة لنا بربنا؟! أننا ننسى، ليست لنا ذاكرة تسبب لنا حسن الظن، كم من المرات مررنا بمواقف صورتها الأولى شر ثم أتى وراءها الخير العظيم؟.
ثم أن ربك الكريم الملك العظيم يقول لك في وصف نفسه: {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا}[9]، {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا}[10]. يقول لك في وصف نفسه أنه حكيم، أي يضع كل شيء في موضعه. فالأحداث التي تمر عليك بتفاصيلها خير كثير وبركة عظيمة، لكن لا تنس أن الدنيا ليست غاية والغاية الحقيقية هي الآخرة، كل شيء تفقده في الدنيا ليس حسرة، الحسرة الحقيقية أن تفقد ظل الرحمن وقتما الناس تحرقهم الشمس حرقا! الحسرة الحقيقية أن تأتي لا عمل لك لرب كريم وصْفُه أنه شكور يعطي على العمل القليل الأجر الكثير وأنت حتى هذا العمل القليل ما حصّلته! الحسرة الحقيقية لما يُنادى أهل الإيمان أن ادخلوا للجنان ولا تكون من هؤلاء! هذه هي الحسرة الحقيقية.
وهذه الحسرات لما تَعْظُم في العقل ويشعر الانسان أنها حقا حسرة، لما تفهم أن هذه الحسرات وأن ربك حكيم تفهم أن الذي يجرِي عليك من الأقدار لتنجو في الآخرة والدنيا، لكن أرجع مرة أخرى أقول أن الآخرة ليست مهمة عند كثيرين، لذلك لما نقول لك: (لا يُجري عليك إلا ما يرفعك) تقول: (اجعل الآخرة للآخرة فأنا تفكيري هنا!). من أجل ذلك كان الإيمان باليوم الآخر سبب للاستقرار النفسي، وأن ليس كل شيء أحصّله في النصف الأول من الحياة، هناك نصف ثانٍ وهو الأهم أحصّل فيه الخيرات، والحكيم سبحانه وتعالى يدفعك بالأقدار للربح في كلا النصفين، في الدنيا والآخرة، يعني كل الأقدار التي تجري عليك فيها مصلحة ستجدها في الآخرة والدنيا، والدنيا في تفكيرك قبل الآخرة.